الجمعة، 4 يونيو 2010

ثقافة الترجمة / ترجمة الثقافة - كتب د. عادل الثامري



ثقافة الترجمة / ترجمة الثقافة

*د. عادل الثامري


تتعدد مصطلحات التلازم بين "ترجمة" و "ثقافة" و يمكن أن نميز أربعة مصطلحات رئيسة: ترجمة الثقافة /ثقافة الترجمة/ الترجمة الثقافية/ الثقافة الترجمية؛ ومن الصعوبات المألوفة في دراسات الترجمة تلك الإشكالية القائمة بين المقاربات التاريخية و السنكرونية لتحليل و توصيف ثقافة الترجمة، إذ يمكن أن نقدم ثقافة الترجمة بوصفها مجموع الأنواع المختلفة من النصوص المترجمة و يمكن أن توصف على إنها الهرمية المنتظمة للأنواع المختلفة من الترجمات ذاتها؛ تفترض المقاربة الأولى عددا من اللغات لغرض التوصيف و التحليل في حين تفترض المقاربة الثانية لغة واحدة فقط.



"ترجمة الثقافة" مصطلح يختص بالموضوع و هو ممارسة نقل النصوص الثقافية من اللغة الأصلية المنتجة لها إلى لغات أخرى مستقبلة و متفاعلة معها أي النصوص؛ أما ثقافة الترجمة فتختص بالموضوع أيضا .. النظر في الترجمة من جوانبها الثقافية أي الخصائص الثقافية الكلية لها؛ أما ما يختص بالمنهج فهما المصطلحان الآخران – الترجمة الثقافية أي ممارسة الترجمة بإتباع منهج يستمد مبادئه من التقريرات و المقولات الثقافية _ و الثقافة الترجمية أي النظر في القضايا الثقافية باتباع طرق تستمد أصولها من التجارب العملية و الرؤى النظرية للترجمة.



تظهر الترجمة -من خلال هذه المنظورات- آليات مهمة لأداء الثقافة: ان التأويل السيميائي للترجمة ابتدءا من ياكوبسن و انتهاء بـأمبرتو ايكو في مؤلفه "تجارب في الترجمة" (2001)- قد أكد على أهمية فهم الثقافة و نتيجة لذلك يمكن توصيف مدرك الثقافة على انه صيرورة الترجمة الكلية؛ و المساهمة القيمة الأخرى لنظرية الترجمة قدمها باختين في مؤلفه الذي ظهر باسم فولوشينوف" الماركسية وفلسفة اللغة" و لوتمان عبر تكامل تحدارين(Traditions) في سيمياء الثقافة مما قاد إلى مجاورة مدركات مثل الحوارية و الاستقلالية _ الهجنة Creolization و تعدد الأصوات و الترجمة.



تعد القابلية الترجمية لثقافة ما معيارا مهما من معايير خصوصية الثقافة و تفردها طالما ان الثقافة لا يمكن ان تشهد تجديدا إلا من خلال استيعابها لنصوص جديدة؛ لقد أصبح الحد الفاصل بين دراسات الترجمة و الدراسات الثقافية اقل وضوحا بعد توسع إبدال ما بعد الكولينيالية ليشمل دراسات الترجمة . و في نفس الوقت انبثق تكامل ملحوظ بينهما. لقد تنامى و تعمق فهم القيمة الثقافية للنص المترجم و خصوصا فيما يخص أهمية الترجمات لهوية الثقافة المتلقية.

في كتابه " فضائح الترجمة" اطلق فينوتي مصطلح "سلطة تشكيل الهوية" على قدرة التراجم في المشاركة في ضمان تماسك و انسجام الثقافة و كذلك تنشيط المقاومة الثقافية أو صيرورات تجدد الثقافة. و بالمقابل بدأت الدراسات الثقافية بتقييم مفهوم الهوية من خلال الثقافة و بسبب فعالية موضوع العولمة و التعارض بين العولمي و المحلي توصلنا إلى فهم أن المجتمع الذي يأمل في تفعيل خصوصيته لا يمكن أن يغفل النظر في الهوية الثقافية. و أطلق على فهم الحاجة الكبرى للهوية الثقافية لاستيعاب التنمية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و التكنولوجية مصطلح" الانعطافة الثقافية": يقول سيغرز أن هذه الانعطافة تعني أن التطورات السياسية و الاجتماعية المعاصرة و كذلك التطورات الاقتصادية و التكنولوجية العولمية او المحلية لا يمكن فهمها إلا من خلال مفهوم الهوية الثقافية.



تواجه الدراسات الثقافية إشكاليات على مستوى السرد و مستوى الميتاسرد: على مستوى الميتاسرد تحاول دراسات الترجمة توفير حلول لنفس الإشكاليات و بذلت جهود حثيثة في هذه الدراسات لتنظيم "الميتالغة" الخاصة مع ظهور صعوبات في الفهم في التحدارات البحثية المختلفة لدراسة الترجمة و ظهرت دعوات الى كتابة دراسات الترجمة بلغة قابلة للفهم و الاستيعاب و في المقابل كانت هناك محاولات لخلق قابلية ترجمة ممنهجة يمكن من خلالها مقارنة نظريات الترجمة المختلفة او البحث في إمكانيات تداخل الحقول. و على مستوى السرد، هناك إشكالية الطبيعة الثانوية للترجمة. فالصعوبات التي تظهر في كتابة تأريخ للترجمة تبين ان التحرك عبر الحقب و الكتاب المترجمين و الأعمال المترجمة او المترجمين لا يضمن توصيفا فيما يتعلق بالمحتوى ؛ لذلك فان ثقافة الترجمة لحقبة معينة يمكن النظر إليها بوصفها عددا معينا من النصوص المترجمة او بوصفها هرمية من أنواع الترجمة. نتحدث في الحالة الاولى عن الاختيار والسياسات الثقافية و المخزون الثقافي و اشتغال النصوص المترجمة في ثقافة جديدة و يمكن ان نستعمل لغات مختلفة للتوصيف. و في الحالة الثانية نتحدث عن الترجمات ذاتها و طرق الترجمة و أعمال المترجمين و هنا نحتاج إلى مصطلحات مقارنة للإشارة إلى أنواع الترجمة و من ثم هنالك حاجة لميتالغة موحدة.



يظهر إننا الان على مفترق طرق لتحديد الاتجاهات و السياقات الخاصة لعملنا الترجمي في ظل الحركة الكبيرة للعولمة وإرهاصاتها الثقافية في المجتمعات الإنسانية المختلفة.

*أكاديمي عراقي


العــــــــــــــودة للعــــــــــــدد الثالث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق