الجمعة، 4 يونيو 2010

قلق المعرفة


قلق المعرفة




إن المفكرين الحقيقيين قليل في هذا الورى, والمشككين الحقيقيين أقل منهم, أما المطمئنون إلى كل شيء فملء الأرض... وأفتك أوبئة الإنسانية , ذلك الاطمئنان الداخلي , مرض الدهماء الذين يعومون في زبد أنفسهم , ولا يغو صون في لجتها , تلهيهم ثرثرة الساقية عن صمت النهر الهادئ حيث الحيتان الضخمة التي تبتلع حوت يونان ...

مارون عبود / قدماء ومجتر ون (1948) ص 13 .








يتغلغل الكاتب سعد البازعي من خلال مؤلفه (قلق المعرفة . إشكاليات فكرية وثقافية ) في ثنايا السؤال : لماذا تنطوي المعرفة على قلق دائم ؟ وقد أفرد مناحي عدة للإجابة عن هذا التساؤل ففي( أ. قلق الأطر )الفصل الأول من الكتاب الذي يعالج إشكالية (جمهور الثقافة أم ثقافة الجمهور ) ؟ يقول (ما أشير إليه هو ما عرفته الثقافة العربية منذ أواسط هذا القرن , وبالتحديد مع حركات التحرر من الاستعمار وانتشار المد اليساري سياسياً وأيديولوجياً . فمع انتشار أدبيات هذه الاتجاهات وما رافقها من أنظمة سياسية وحزبية تبدل الحال بالجماهير وارتقت مكانة ما عهدتها منذ الشرف الرفيع الذي أسبغ عليها في أزمنة مضت . غير أن الجماهير وهي ترتفع عن الغوغاء والدهماء فإنما تفعل ذلك على سلم قيم مغايرة وبشروط حضارية مختلفة إلى حد ما عما سبق أن عرفته ) .




ثم يتساءل ما طبيعة الصلة التي تربط الفكر بالانتماء ألإثني ؟ عبر الفصل الثاني (الفكر وأسئلة الإثنية ). إذ يقول (لعل من أبرز الأمثلة في الغرب ما نجد في مدرسة فرانكفورت الألمانية . فمما يلفت النظر , وإن لم يلتفت إليه غالباً في الدراسات المتعلقة بتلك المدرسة في العالم العربي خاصة , أن معظم أفرادها كانوا مفكرين ألمان من أصل يهودي ابتداء بهوركهايمر ومروراً بأدورنو وماركوز ووصولاً إلى إريك فروم . وقد يكون الاستثناء الوحيد هو هابرماس . النتاج الفكري لأولئك , حين نستثني هابرماس , يحمل هموم جماعة واضحة الانتماء الإثني سواء في ما كانت تدعو إليه أو في ما كانت تقاومه أو تحتج عليه ) .





ثم يتناول الكاتب علاقة الديني بالأدبي ليطرح البازعي سؤالاً مهماً: ( السؤال ليس عن حضور الدين في الأدب من عدمه , فهذا بدهي لا يحتاج إلى تبيان . ما يحتاج إلى تبيان ويستثير الجدل والاختلاف هو عن كيفية ذلك الحضور . فإذا استثنينا الأعمال الأدبية التي يحضر فيها الدين على سبيل النفي , كالأعمال الإلحادية أو المتعلمنة ذات التوجه الأيديولوجي المضاد للتدين عموماً , وجدنا الأعمال الأخرى تختلف من حيث طبيعة الحضور الديني ودرجاته . ولو حصرنا الحديث هنا في الآداب الأوربية لأسباب ستتضح في سياق المناقشة , لوجدنا أنه في ملحمة دانتي في (الكوميديا الإلهية ) يحضر الدين حضور معتقد يؤمن به الشاعر إيماناً راسخاً , فهو يصدر عن رؤية مسيحية للعالم وللإنسان ) .

وهكذا عبر (حدود الفن ) و (هل هناك فلسفة عربية معاصرة ) وقلق المفكر , الفصل ب من الكتاب الذي يضم ثلاث مقالات حول عبد الوهاب ألمسيري . ثم الجزء ج 0 قلق الحوار ) قلق التفلسف مقالتان حول الجابري و.د. إدوارد سعيد قلق الانتماء .و. هـ . قلق المعاصرة . و. و. قلق التنوير . حتى (الكتابة بين الشارع والشاعر ) يقول الكاتب (أولئك الذين يعيشون في العالم الأقل احتشاداً بالحرية قد يتحفظون على مقولة أن القارئ يقرأ "ما يرغب فيه " , لكنهم سيتفقون تماماً مع مقولة أن الكاتب "لا يكتب ما يرغب فيه, وإنما ما يستطيعه" وأن انطلقوا في ذلك ليس من المنطلق الإبداعي أو الفلسفي فحسب , وإنما مما لم يخطر ببال الكاتب الأرجنتيني على الأقل حين أطلق مقولته تلك . في كل الحالات , ما يقوله بورخيس يظل صحيحا في وجهه الإنساني العام , مع إمكانية أن نعيد صياغة العبارة لتصير : نحن أقدر على قراءة ما نريد منا على كتابة ما نريد . ) .





عبر فصول الكتاب ينحى الكاتب منحىً تأويلياً للتقريب بين فهم التلقي كإشكالية يشترك فيها طرفا العملية الباث والـمُستقبِل وبين القلق المعرفي من أهمية المادة المتلقاة .




الكتاب : قلق المعرفة /إشكاليات فكرية وثقافية .

المؤلف: سعد البازعي / الطبعة الأولى 2010 /عدد الصفحات 256 .

الناشر : المركز الثقافي العربي



العـــــــــــــــــــــــودة للعـــــــــــــدد الثالث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق